ستكبرين يا صغيرتي , وستصنعين قهوتكِ ذات يوم , فأصغِ جيدا لما تقوله الركوة , كوني قريبةً من الموقد , من النار التي تلظّى تحتها وتدفعها من الفوهةِ كالحميم, القهوة لن تمهلك , ستباغتكِ وإذ هيَ منسابةٌ ثائرة , غاضبةٌ إذ لم تكوني عليها حارسةً أمينة .
القهوةُ يا صغيرتي تحرّضُ على الحزنِ إن شربتها مُرّة , إن شربتها وحيدة , وإن شربتها سوداءَ جدا , ستجلب لكِ لعنةَ الذكريات القديمة , سيطفو على وجهها ماضٍ بات كالرميم , وستبدو قطعة الحلوى الصغيرة بجانبها كمحاولةٍ يائسةٍ لتبرير مرارة الحياة .
تخيّري يا صغيرتي أكوابك , فما كلُ كوبٍ يصلح لكل قهوة , تزيّني للقهوة , حتى وإن شربتها بمفردك , لا تشربيها دون اكتراث , تحضري لها قبل أن تحضريها .
القهوةُ يا صغيرتي إن جمعتكِ بالأصدقاء فستبتسمين كلما أعددتِ قهوتك بذات الطريقة , ستتذوقين طعم أحاديثهم الذائبةِ في بُنّها , وستحتفظ أكوابكِ ببصماتِ أرواحهم عليها ..
القهوةُ يا صغيرتي إن شربتها في الصباح فلا تشربيها والستائر مُسدلة , لا تشربيها دون أن تتلي على قلبكِ بيت شعر أو تقرئي شيئا من الأدب , قهوةُ الصباحِ يا صغيرتي تنذرُ بيومٍ شاعريّ , اشربيها دوما مبتسمةً للعالم , ولا تنسي أن تلوحي لعصفورٍ عابرٍ للسبيل أمام نافذتك ..
أما قهوةُ المساء يا صغيرتي , قهوةُ منتصفِ اليوم , فستليقُ بصديق , تليقُ بكتابٍ أو فلمٍ قديم , تليقُ بالخلوةِ والتأمل , تليقُ بأغنيةٍ لماجدة أو قصيدةٍ لدرويش , قهوةُ منتصفُ اليوم مزاجيةٌ جداً , ستشتهينها كل مرّة بنكهةٍ مختلفة , بكميةٍ مختلفة وبأفكارٍ مختلفة ..
وحُذار حذار من قهوة ما بعد الليل , قهوةِ ابتداء الفجر , قهوة الثانية عشر ليلا وما بعدها أو ما قبلها بقليل , هي قهوةٌ للهرب , للنومِ الذي تستجديه النفس فلا يجيء , قهوةُ المحزونين , تُعدُ بالوحدة , بالغربة , بالقلق وبشيءٍ من الخوف , ستشربُ مرّةٌ جدا , داكنةٌ جدا , لن تتناولي معها شيئا حلّواً بل ستكتبين , ستمتلئ الطاولة بقصاصات الورق , بالعبارات المشطوبةِ وبالخيبة .
مما راق لي